فصل: وفاة الحجاج.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.وفاة الحجاج.

وتوفي الحجاج في شوال خمس وتسعين لعشرين سنة من ولايته العراق ولما حضرته الوفاة استخلف على ولايته ابنه عبد الله وعلى حرب الكوفة والبصرة يزيد بن أبي كبشة وعلى خراجهما يزيد بن أبي مسلم فأقرهم الوليد بعد وفاته وكتب إلى قتيبة بن مسلم بخراسان قد عرف أمير المؤمنين بلاءك وجهدك وجهادك أعداء المسلمين وأمير المؤمنين رافعك وصانع بك الذي تحب فأتمم مغازيك وانتظر ثواب ربك ولا تغيب عن أمير المؤمنين كتبك حتى كأني أنظر إلى بلادك والثغر الذي أنت فيه ولم يغير الوليد أحدا من عمال الحجاج.

.أخبار محمد بن القاسم بالسند.

كان محمد بن القاسم بالملتان وأتاه خبر وفاة الحجاج هنالك فرجع إلى الدور والثغور وكان قد فتحها ثم جهزه الناس إلى السلماس مع حبيب فأعطوا الطاعة وسالمه أهل شرست وهي مغزى أهل البصرة وأهلها يقطعون في البحر ثم سار في العسكر إلى فخرج إليه دزهر فقاتله محمد وهزمه وقتله ونزل أهل المدينة على حكمه فقتل وسبا ولم يزل عاملا على السند إلى أن ولي سليمان بن عبد الملك فعزله وولى يزيد بن أبي كبشة السكسكي على السند مكانه فقيده يزيد وبعث به إلى العراق فحبسه صالح بن عبد الرحمن بواسط وعذبه في رجال من قرابة الحجاج على قتلهم وكان الحجاج قتل أخاه آدم على رأي الخوارج ومات يزيد بن أبي كبشة لثمان عشرة ليلة من مقدمه فولى سليمان على السند حبيب بن المهلب فقدمها وقد رجع ملوك السند إلى ممالكهم ورجع حبشة بن داهر إلى برهما باذ فنزل حبيب على شاطئ مهران وأعطاه أهل الروم الطاعة وحارب فظفر ثم أسلم الملوك لما كتب عمر بن عبد العزيز إلى الإسلام على أن يملكهم وهم أسوة المسلمين فيما لهم وعليهم فأسلم حبشة والملوك وتسموا بأسماء العرب وكان عمرو بن مسلم الباهلي عامل عمر على ذلك الثغر فغزا بعض الهند وظفر ثم ولى الجنيد بن عبد الرحمن على السند أيام هشام بن عبد الملك فأتى شط مهران ومنعه حبشة بن داهر العبور وقال: إني قد أعلمت وولاني الرجل الصالح ولست آمنك فأعطاه الرهن ثم ردها حبشة وكفر وحارب فحاربه الجنيد في السفن وأسره ثم قتله وهرب صصه بن داهر إلى العراق شاكيا لغدر الجنيد فلم يزل يؤنسه حتى جاءه فقتله ثم غزا الجنيد الكيرج من آخر الهند وكانوا نقضوا فاتخذ كباشا زاحفة ثم صك بها سور المدينة فثلمها ودخل فقتل وسبى وغنم وبعث العمال إلى المرمد والمعدل ودهنج وبعث جيشا إلى أرين فأغاروا عليها وأحرقوا ربضها وحصل عنده سوى ما حمل أربعون ألف ألف وحمل مثلها وولى تميم بن زيد الضبي فضعف ووهن ومات قريبا من الديبل وفي أيامه خرج المسلمون عن بلاد الهند وتركوا مراكزهم ثم ولي الحكم بن سوام الكلبي وقد كفر أهل الهند إلا أهل قصة فبنى مدينة سماها المحفوظة وجعلها مأوى المسلمين وكان معه عمر بن محمد بن القاسم وكان يفوض إليه عظائم الأمور وأغزاه عن المحفوظة فلما قدم وقد ظهر أمره فبنى مدينة وسماها المنصورة وهي التي كانت أمراء السند ينزلونها واستخلص ما كان غلب عليه من العدو ورضي الناس بولايته ثم قتل الحكم وضعفت الدولة الأموية عن الهند وتأتي أخبار السند في دولة المأمون.

.فتح مدينة كاشغر.

أجمع قتيبة لغزو مدينة كاشغر سنة ست وتسعين وهي أدنى مدائن الصين فسار لذلك وحمل مع الناس عيالاتهم ليضعها بسمرقند وعبر النهر وجعل على المجاز مسلحة يمنعون الراجع من العسكر إلا بإذنه! وبعث مقدمه إلى كاشغر فغنموا وسبوا وختم أعناق السبي وأوغل حتى قارب الصين فكتب إليه ملك الصين يستدعي من أشراف العرب من يخبره عنهم وعن دينهم فانتخب قتيبة عشرة من العرب كان منهم هبيرة بن شمرج الكتابي وأمر لهم بعدة حسنة ومتاع من الخز والوشي وخيول أربعة وقال لهم: أعلموه أني حالف أني لا أنصرف حتى أطأ بلادهم وأختم ملوكهم وأجبي خراجهم ولما قدموا على ملك الصين دعاهم في اليوم الأول فدخلوا وعليهم الغلائل والأردية وقد تطيبوا ولبسوا النعال فلم يكلمهم الملك ولا أحد ممن حضره وقالوا بعد انصرافهم هؤلاء نسوان فلبسوا الوشي والمطارف وعمائم الخز وغدوا عليه فلم يكلموهم وقالوا هذه أقرب إلى هيئة الرجال ثم دعاهم الثالثة فلبسوا سلاحهم وعلى رؤسهم البيضات والمغافر وتوشحوا السيوف واعتقلوا الرماح ونكبوا القسي فهالهم منظرهم ثم انصرفوا وركبوا فتطاردوا فعجب القوم منهم ثم دعا زعيمهم هبيرة بن شمرج فسأله لم خالفوا في زيهم فقال: أما الأول فإنا نساء في أهلنا وأما الثاني فزينا عند أمرائنا وأما الثالث فزينا لعدونا فاستحسن ذلك ثم قال له: قد رأيتم عظم ملكي وأنه ليس أحد يمنعكم مني وقد عرفت قلتكم فقولوا لصاحبكم ينصرف وإلا بعثت من يهلككم فقال هبيرة كيف نكون في قلة وأول خيلنا في بلادك وآخرها في منابت الزيتون وأما القتل فلسنا نكرهه ولا نخافه ولنا آجال إذا حضرت فلن نتعداها وقد حلف صاحبنا أنه لا ينصرف حتى يطأ أرضكم ويختم ملوككم ويأخذ جزيتكم قال الملك: فإنا نخرجه من يمينه نبعث له بتراب من أرضنا فيطؤه ويقبض أبناءنا فيختمهم وبهدية ترضيه ثم أجازهم فأحسن وقدموا على قتيبة فقبل الجزية ووطئ التراب وختم الغلمان وردهم ثم انصرف من غداته وأوفد هبيرة إلى الوليد وبلغه وهو في الفرات موت الوليد.